سورة الطلاق - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطلاق)


        


قوله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} قال الزجاج: هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. والمؤمنون داخلون معه فيه. ومعناه: إذا أردتم طلاق النساء، كقوله تعالى: {إذا قمتم إِلى الصلاة} [المائدة: 6] وفي سبب نزول هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها نزلت حين طلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم حَفْصَةَ، وقيل له: راجعها، فإنها صَوَّامةٌ قَوَّامةٌ، وهي من إحدى زوجاتك في الجنة، قاله أنس بن مالك.
والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن عمر، وذلك أنه طلق امرأته حائضاً، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، قاله السدي.
قوله تعالى: {لِعِدَّتِهنَّ} أي: لزمان عِدَّتهن، وهو الطهر. وهذا للمدخول بها، لأن غير المدخول بها لا عدَّة عليها.
والطلاق: على ضربين: سُنِّيٌّ، وبِدْعيٌّ.
فالسُّنِّيُّ: أن يطلِّقها في طهر لم يجامعها فيه، وذلك هو الطلاق لِلْعِدَّة، لأنها تعتدُّ بذلك الطهر من عدَّة، وتقع في العدة عقيب الطلاق، فلا يطول عليها زمان العدة.
والطلاق البدعي: أن يقع في حال الحيض، أو في طهر قد جامعها فيه، فهو واقع، وصاحبه آثم، وإِن جمع الطلاق الثلاث في طهرٍ واحد، فالمنصور من مذهبنا أنه بدعة.
قوله تعالى: {وأحصوا العدة} أي: زمان العدة. وفي إحصائها فوائد. منها: مراعاة زمان الرجعة، وأوان النفقة، والسكنى، وتوزيع الطلاق على الإقرار إذا أراد أن يطلِّق ثلاثاً، ولِيَعْلَمَ أنها قد بانت، فيتزوّج بأختها، وأربع سواها.
قوله تعالى: {واتقوا الله ربَّكم} أي: فلا تعصوه فيما أمركم به. {ولا تخرجوهن من بيوتهن} فيه دليل على وجوب السكنى. ونسب البيوت إليهن، لسكناهن قبل الطلاق فيهن، ولا يجوز لها أن تخرج في عدتها إلا لضرورة ظاهرة. فإن خرجت أثِمتْ {إلا أن يأتين بفاحشة} وفيها أربعة أقوال:
أحدها: المعنى: إلا أن يخرجن قبل انقضاء المدة، فخروجهن هو الفاحشة المبّينة، وهذا قول عبد الله بن عمر، والسدي، وابن السائب.
والثاني: أن الفاحشة: الزنا، رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وعكرمة، والضحاك. فعلى هذا يكون المعنى: إلا أن يزنين فَيُخْرَجْنَ لإقامة الحدِّ عليهنَّ.
والثالث: الفاحشة: أن تبذُؤَ على أهلها، فيحلُّ لهم إخراجها، رواه محمد بن إبراهيم عن ابن عباس.
والرابع: أنها إصابة حدٍّ، فتخرج لإقامة الحدِّ عليها، قاله سعيد ابن المسيب.
قوله تعالى: {وتلك حدود الله} يعني: ما ذكر من الأحكام {ومن يتعدَّ حدود الله} التي بيَّنها. وأمر بها {فقد ظلم نفسه} أي: أثم فيما بينه وبين الله تعالى {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً} أي: يُوقع في قلب الزوج المحبَّة لرجعتها بعد الطَّلْقة والطلقتين. وهذا يدل على أن المستحب في الطلاق تفريقه، وأن لا يجمع الثلاث.


قوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن} أي: قاربن انقضاء العدة {فأمسكوهن بمعروف} وهذا مبيَّن في [البقرة: 231] {وأشهدوا ذَوَيْ عَدْلٍ منكم} قال المفسرون: أشهدوا على الطلاق، أو المراجعة. واختلف العلماء: هل الإشهاد على المراجعة واجب، أم مستحب؟ وفيه عن أحمد روايتان، وعن الشافعي قولان ثم قال للشهداء: {وأقيموا الشهادة لله} أي: اشهدوا بالحق، وأدُّوها على الصحة، طلباً لمرضاة الله، وقياماً بوصيَّته. وما بعده قد سبق بيانه [البقرة: 232] إلى قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً} فذكر أكثر المفسرين أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، أسر العدوُّ ابناً له، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وشكا إليه الفاقة، فقال: اتق الله، واصبر، وأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ففعل الرجل ذلك، فغفل العدوُّ عن ابنه، فساق غنمهم، وجاء بها إلى أبيه، وهي أربعة آلاف شاة، فنزلت هذه الآية. وفي معناها للمفسرين خمسة أقوال.
أحدها: ومن يتق الله يُنجِه من كل كرب في الدنيا والآخرة، قاله ابن عباس.
والثاني: بأن مَخْرَجَه: علمُه بأن ما أصابه من عطَاءٍ أو مَنْع، من قِبَل الله، وهو معنى قول ابن مسعود.
والثالث: ومن يتق الله، فيطلق للسُّنَّةِ، ويراجع للسُّنَّةِ، يَجْعَلْ له مخرجاً، قاله السدي.
والرابع: ومن يتَّق الله بالصبر عند المصيبة، يجعل له مخرجاً من النار إلى الجنة، قاله ابن السائب.
والخامس: يجعل له مخرجاً من الحرام إلى الحلال، قاله الزجاج. والصحيح أن هذا عام، فإن الله تعالى يجعل للتقي مخرجاً من كل ما يضيق عليه. ومن لا يتقي، يقع في كل شدة. قال الربيع بن خُثَيْم: يجعل له مخرجاً من كل ما يضيق على الناس {ويرزقْه من حيث لا يحتسب} أي: من حيث لا يأمل، ولا يرجو. قال الزجاج: ويجوز أن يكون: إذا اتقى الله في طلاقه، وجرى في ذلك على السُّنَّة، رزقه الله أهلاً بدل أهله {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} أي: مَنْ وَثِقَ به فيما نابه، كفاه الله ما أهمّه {إن الله بالغٌ أمرَه} وروى حفص، والمفضل عن عاصم {بالغُ أمرِه} مضاف. والمعنى: يقضي ما يريد {قد جعل الله لكل شيء قدراً} أي: أجلاً ومنتهىً ينتهي إليه، قدَّر الله ذلك كلَّه، فلا يقدَّم ولا يؤخر. قال مقاتل: قد جعل الله لكل شيء من الشدة والرخاء قدراً، فقدَّر متى يكون هذا الغني فقيراً، وهذا الفقير غنياً.


قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض} في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أنها لما نزلت عِدَّة المطلَّقة، والمتوفَّى عنها زوجُها في [البقرة 227: 232] قال أُبَيُّ بن كعب: يا رسول الله إن نساء من أهل المدينة يقلن: قد بقي من النساء ما لم يذكر فيه شيء. قال: «وما هو؟» قال: الصغار والكبار، وذوات الحمل، فنزلت هذه الآية، قاله عمرو بن سالم.
والثاني: أنه لما نزل قوله تعالى: {والمطلقات يتربَّصن بأنفسهن...} [الآية البقرة: 228] قال خلاَّد بن النعمان الأنصاري: يا رسول الله، فما عِدَّة التي لا تحيض، وعدَّة التي لم تحض، وعدة الحُبلى؟ فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. ومعنى الآية: {إن ارتبتم}، أي: شككتم فلم تَدْرُوا ما عِدتَّهن {فَعِدَّتُهنَّ ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} كذلك.
فصل:
قال القاضي أبو يعلى: والمراد بالارتياب هاهنا: ارتياب المخاطبين في مقدار عدة الآيسة والصغيرة كما هو؟ وليس المراد به ارتياب المعتدات في اليأس من المحيض، أو اليأس من الحمل للسبب الذي ذكر في نزول الآية. ولأنه لو أريد بذلك النساء لتوجَّه الخطاب إليهن، فقيل: إن ارتبتنُّ، أو ارتبْنَ، لأن الحيض إنما يعلم من جهتهنَّ.
وقد اختلف في المرأة إذا تأخر حيضها لا لعارض كم تجلس؟ فمذهب أصحابنا أنها تجلس غالب مدة الحمل، وهو تسعة أشهر، ثم ثلاثة. والعدة: هي الثلاثة التي بعد التسعة. فإن حاضت قبل السنة بيوم، استأنفت ثلاث حيض، وإن تَمَّتْ السَّنَةُ من غير حيض، حَلَّت، وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة، والشافعي في الجديد: تمكث أبداً حتى يعلم براءة رحمها قطعاً، وهي أن تصير في حدّ لا يحيض مثلها، فتعتدُّ بعد ذلك ثلاثة أشهر.
قوله تعالى: {واللائي لم يحضن} يعني: عدتهن ثلاثة أشهر أيضاً، لأنه كلام لا يستقلُّ بنفسه، فلا بدَّ له من ضمير، وضميره تقدَّم ذكره مظهراً، وهو العدَّة بالشهور. وهذا على قول أصحابنا محمول على من لم يأت عليها زمان الحيض: أنها تعتد ثلاثة أشهر. فأما من أتى عليها زمان الحيض، ولم تحض، فإنها تعتدُّ سنة.
قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} عامٌّ في المطلقات، والمتوفَّى عنهن أزواجهن، وهذا قول عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وأبي مسعود البدري، وأبي هريرة، وفقهاء الأمصار. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: تعتدُّ آخر الأجلين. ويدل على قولنا عموم الآية. وقول ابن مسعود: من شاء لاعنته، ما نزلت {وأولات الأحمال} إِلا بعد آية المتوفَّى عنها زوجها، وقولِ أم سلمة: إن سُبَيعة وضعت بعد وفاة زوجها بأيام، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج.
قوله تعالى: {ومن يتق الله} أي: فيما أُمِرَ به {يَجْعَلْ له من أمره يسراً} يُسَهِّلْ عليه أمر الدنيا والآخرة، وهذا قول الأكثرين. وقال الضحاك: ومن يتق الله في طلاق السُّنَّة، يجعل الله له من أمره يسراً في الرَّجعة {ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله} بطاعته {يُكفِّرْ عنه سيآتهِ} أي: يمح عنه خطاياه {ويُعظِم له أجراً} في الآخرة.

1 | 2